وسائل الإعلام
  |  
المقالات
Cross

ليونار ورهبنة مار فرنسيس للعلمانيين

بمناسبة الاحتفال بتذكار الأب ليونار ملكي واستشهاده في ماردين (تركيا)، أقام الأب طوني حداد، رئيس رهبنة الإخوة الأصاغر الكبّوشيين في شبه إقليم الشرق الأدنى، الذبيحة الإلهيّة، في كنيسة القدّيس انطونيوس البادواني في بعبدات، يوم الإثنين الواقع فيه 11 حزيران، العام 2012، وألقى كاتب هذا الموقع، باللغة اللبنانية، كلمة عن علاقة الأب ليونار برهبنة مار فرنسيس الثالثة للعلمانيين، جاء فيها ما يلي:

 

لَمّا بَلَّش ليونار دراستو الإكليريكية بمعهد سان ستيفانو بتركيا، فات ع الرهبنة التالتي ب ٤ تشرين الأوّل ١٨٩٦، ولبس التوب ب ٢٥ آذار ١٨٩٨.
ولَمّا خَلّص دْروسو بإكليريكيّة الكبّوشيي بمدينة بُودجَه بتركيا ، مع رفيقو توما صالح البعبداتي ، وحِصِل ع شهادة «مبشّر رسولي» سنة الـ 1906 ، عَيَّنتو الرهبنة مدير مدرسة ماردين الكبيري ، وطلبت منّو يعلّم فيا اللغة الفرنساويّة والموسيقى ، ويكون مرشد الرهبنة التالتي . بيخبّر بمكتوبو لريّسو ، أنّو الرهبنة بماردين مزدهرا كتير ، وبيجتمعو مرّة بالشهر ، وهوي بيعطين الموضوع
.

  بمكتوب تاني بَعَتو لريّسو بفرنسا سنة الـ 1909 ، بِقِلّو في أنّو الرهبنة التالتي بماردين صار فيا 432 أخ وأخت ، وبهالسني بسّ ، لَبَّس التوب لتلاتين عضو جديد ، وبيطلب من ريّسو يبعتلو صور وقُوَن وكُتُب صلا ، ت يوزّعا ع التالتيي .

  الأب آتال دوسانتيتيان Attale de S. Etienne الكبّوشي، يللي إجا ع ماردين بآخر سنة 1911، بالوقت اللي كان ليونار ترك ماردين وتْعَيَّن بأورفا، بيخبّر عن الرهبنة التالتي وبيقول :

 

... شو بنّا نحكي عن التقوى بفرع الرهبنة التالتي؟ في بالفرع حوالي الخمسين أخ وأكتر من ميتين إخت. بيجتمعوا الأحد بعد الضهر بالكابيلا، بعد ما يكونو زَيَّحوا القربان المقدّس بالكنيسي، تَيصَلّوا لمريم العدرا، ويقَدمولا صلاة الغروب وصلاة النوم، بالعربي، ويرَتلو المزامير والتراتيل اللي بتأثر. كتار منن بيعرفو الفرض عالغايب، بشاركن في الولاد والشباب اللي بدن يفوتو عالرهبنة، بيصلّو معن من كلّ قلبن، وبتطلع صواتن الناعمة مع صوات الكبار القويّة. ومع أنّو اجتماعات الحد ما كانت إلزاميّة، كتار يجو يشاركو فيا. ونفس الشي بالنسبة للاجتماعات الشهريّة، قلال اللي كانو يتغَيَّبوا .

يَللي متلنا عم يقوم برسالي، بينبسط كتير بهالنخبة من النفوس التقيّة والقلوب الطيّبة. كتار منن نفسن كبيري، ومتواضعين، وبيعرفو يميّزو بين أمور الأرض وأمور السَّما. ولَمّا يجتمع معن بالكابيلا للي عندا طابع كبّوشي، حدّ الكنيسي الكبيرة، وينفخ فين غيرتو الرسوليّة، كانوا يتحمّسو، وتتجدّد همّتن. وقدّ ما هنّي متعطشين تيسمعوا كلمة الله ويتعَلَّمُوا، كان المرسَل يتعزّا ويعتبر حَقّو وصلّوا بعد ما تعذّب كتير ت يتعلّم لغتن .

في أعياد إلا طابع خاصّ بالرهبنة التالتي، متل عيد “الحُبل بها بلا دنس”. بهاليوم، بيجو التالتيي بلباسن الفرنسيسكاني، يرتلو فرض مريم العدرا كلّو، هنّي وساجدين قدّام القربان المقدّس. عبكرا برتلو صلاة السَحَر، وصلاة الصبح، وصلاة الساعة الأولى، وصلاة الساعة التالتي. وعشيّي، بيرتلو صلاة الساعة السادسة، وصلاة الساعة التاسعة، وصلاة الغروب، وصلاة النوم. وبيتناوبو بالسجود، ساعة ورا التاني، قدّام مَلِكُن المحبوب .

نفس الشي بيصير باحتفالات الأربعين ساعة، وبسهرة خميس الأسرار اللي كانت تتحوّل لسهرة صلا وتكفير. كتار من التالتيي كانو يِجو عالسهرة، يقضّو الوقت كلّو بالتأملات والقراءات والتراتيل والسجود قدّام القربان المقدّس، من دون ما يتعبو. ومن وقت للتاني كانو يروحو يرتاحو بقوضا جانبيّة، ويخبرو بعضن قصص مسيحيّة. وفي أوقات كانو يتبارو بين بعضن : يقعدو حدّ بعضن وكلّ واحد يكون عندو نمرا. ببلّش الأوّل بآية من الإنجيل، ولازم التاني يقول آية تبلّش بالحرف اللي خلصت في الآية السابقة. يللي ما بيعرف بيخسر نقطة، واللي بيعرف بيربح نقطة. كتار كانو شاطرين بهالمباراة، وفي واحد منن، قدّ ما كان يَعرف بالإنجيل والمزامير، كان بَسّ يخلص اللي قبل منّو من الآية، دغري يكون عندو الجواب .

مع هالاحتفالات الدينيّة كانت الرهبنة التالتي فاعلي كمان عالمستوى الاجتماعي. وكانو النسوان اللي ما مطلوب منن إشيا كتير بالكنيسي، يروحو يزورو الفقرا والمرضى ويشتغلو مطرح اللي ما بيقدرو يشتغلو، ويقدمو التبرعات الماديّة للمحتاجين .

هالحياة اللي كلاّ شغل، بالكنيسي ومع التالتيي، وما فيا راحة، هي الثمرا المباركي للجهود الكبيري يللي عملوا المرسلين من جيل لجيل .

 

لَمّا عِلْقت الحرب العالميّة الأولى ، وراحت تركيا تحارب فرنسا ، وتضطهد المسيحيي ع أراضِيا ، بحجّة أنّو هنّي مع فرنسا ، هجم العسكر التركي ع دير الكبّوشيي ، بحزيران سنة الـ 1915 ، وبلّش يفتّش بالغراض فوقاني تحتاني ، بحجّة أنّو عم ينبّش ع سلاح مخبّا بالدير . لاقى دفتر بِقُوضة بونا ليونار ، في أسامي الإخوي والأخوات التالتيي ، وكاتب بونا ليونار ع غلافو «أخويّة مار فرنسيس» . لِقيوا العسكر شحمي ع فطيري ، وقالوا أنّو هَو هنّي أسامي الجمعيّة الفرنساويّة اللي بدّن يحاربو الأتراك ، وكانت الحِرفي أنّو فرنسيس يعني فرنسا . وهيك شَدُّو لبونا ليونار ع الحبس بقلعة ماردين ، ومعو كتار من الإخوة بالرهبنة .

  قَضّا بونا ليونار جمعة بالحبس ، ت يقرّ بأنّو في سلاح بالدير ، وأكيد هيدا شي مش موجود . وكانو ساعة يعذّبو ، يسحبولو ضافير إيدَي وإجرَي ، يْعَلّقو ساعات راسو لتحت ، يْدَحرجو ع الدرج الطويل من فوق لتحت ، يْطَعمو الأكل مخلوط بالتراب ، أو ببزقة من الحارس... وساعا يغرّو ، ويقلولو أنّو إذا بينكر إيمانو بالمسيح يسوع ، وبيصير مسلم ، بِخَـلّص . وكان أوّل شي عِملو في لَمّا فات ع الحبس ، أنّو فَكّولو حبلة مار فرنسيس اللي ع خصرو بالقوّة ، واتهموا بأنّو هيدا هوي السلاح اللي بدو يشنق في العسكر التركي .

  بـ 11 حزيران 1915 ، قبل الضَوّ ، وكان عيد قلب يسوع ، بِضَهّر العسكر التركي المحابيس ، بصفّن تنين تنين بقافلي طويلة ، وبربّطلن جرين بجنزير ، آخدن تَ يصفّين براة ماردين . كانوا  417 مسيحي بالقافلي ، ليونار ماشي بالأوّل ، عن يمينو وعن شمالو واحد من الرهبنة التالتي ، والبقيي ماشين ورا . وكان المطران الأرمني الطوباوي اغناطيوس مالويان بآخر القافلي .

  ولَمّا مرق ليونار قدّام دَيرو ، مطرح ما كان يجتمع في مع التالتيي ، يرشدن ويقدّسلن ويسمعلن اعترافاتن ، بيقول الأب جاك ريتوريه Jacques Rhétoré الدومنيكي الفرنساوي بمذكراتو ، وهوي شاهد عيان ، أنّو ليونار رفع راسو ، ت يأدّي تحيّة الوداع لهالدير المقدّس ، يللي عاش في سعيد عم يعمل الخير . وهنّي ماشين بالقافلي ، صار ليونار يرندح مع الإخوة نشيد «ننال ننال جزانا في السماء» اللي ألّفو الطوباوي يعقوب الكبّوشي ، اللي أسّس فرع الرهبنة ببعبدات ، سنة الـ 1907 ، وليونار تعلّمو مِنّو لَمّا إجا بزيارة ع بعبدات ، سنة الـ 1911 ، وعلّمون يا للماردينيي .

  والقافلي اللي كان فيا ليونار ما كانت القافلة الوحيدة اللي انطلقت من ماردين . في واحدي تاني بيخبّر عنا الأب آنج دو كلامسي Ange de Clamecy الفرنساوي الكبّوشي ، رئيس الإرساليّة الكبّوشيّة بأورفا ، أنّو كان فيا ميّة أخ ، وتلاتميّة أخت من الرهبنة التالتي ، كلُّن قتلون الأتراك .

وفي كمان قافلي بيخبّر عنا الأب جاك ريتوريه بمذكراتو ، طِلْعت من ماردين باتجاه نَصِيبين . كان فيا شبّ من أحسن الشباب بالرهبني التالتي ، تلميذو لبونا ليونار ، إسمو الياس كاسبو . لَمّا شاف العسكر التركي بَلَّش يصفّي رفقا تو ، خاف كتير وصار يرجف ويبكي . لَمّا وِصِل دَوْرو ، دَفَشو العسكري التركي بقوّي وقلّو : يا حمار ، نْكر مسيحك وعمل مسلم ، لا وإلاّ رح تموت متلك متل رفقا تك . وبهاللحظة ، إجا قوّي غريبة عجيبة ، وقلّو للعسكري : بحياتي كلاّ ما بنكر يسوع وبصير مسلم . ساعتا قلّو العسكري : ما زال هيك ، خد ع ما يسرّ بخاطرك . وبلّشو العسكر يتناوبو عليّ بالضرب واللبيط ، ووصلو ت يقطعولو صابيعو واحد ورا التاني ، وهنّي عم يضحكو ، وهويّ يقول ورا كلّ ضربة : كرمالك يا يسوع . وهيك فارق الياس كاسبو الحياة الأرضيّة الفانية ، وانتقل ع الحياة السماويّة الأبديّة ، مطرح ما سبقو معلّمو .

  الأب إسحق أرملة السرياني، كمان شاهد عيان، بيخبّر عن شبّ أرمني بالرهبنة التالتي إسمو جريس إبن حنا آدم، تلميذو لبونا ليونار. لَقَطو الأتراك بـ 25 أيار، أَخدو ع دير الراهبات، ظلّتو، صبّو عليّ مَي بارده حتى تجمّد دمو بعروقو، وصاروا يضربو بوحشيّة. الجلاد اللي كان عم يضربو بالكرباج، إسمو علي، قلّو : ليك، رح ضلّ أضربك ت تنكر إيمانك بالمسيح وتصير مسلم. صرخ جورج بوجّو وقَلّو : عشت كلّ حياتي مع المسيح ، ورح موت كرمالو. ساعتا علي جَنّ جنونو، فَكَّلو زنار مار فرنسيس وصار يضربو في ويقلّو: يلا تشوف، عَيطلو لصاحبو يجي يشيلك من بين إيديّ. وضلّ يضربو ت نَفَّخ جسمو كلّو وتناثر لحمو. إجو أهلو، حَطّو ع تخت، وحِملو ع البيت. وضَلّو يتوجع لحزيران، لَمّا رجع علي الجلاد، سَحبو من البيت، وحطّو مع القافلة حدّ معلّمو ليونار، وقتلو.

  إخوتي وأخواتي ،

  بونا ليونار ملكي ، الراهب البعبداتي الكبّوشي ، ومرشد الرهبنة التالتي بماردين ، بيستحقّ إكليل الشهادة ، مع الإخوة والأخوات التالتيي ، اللي ما تراجعوا قدّام التهديد ، ولا نغرّوا بالترغيب . بِدَمن الطاهر المسفوك ، علّمونا كيف نضلّ ثابتين بإيمانّا المسيحي . ومع إنّو ما حدا بيعرف وَين قتلون وزتّون بأراضي الأمبراطوريّة العثمانيّة الواسعة ، ولا عنّا دخيري من تْيابن أو من عْضامن ، لكن ذكرن بعد 100 سني من هالمجزرا واجب ، وصورتن الاستشهاديّة ، لازم تضلّ حاضرة .

  ويا رَيت أنّو كلّ فرع بالرهبنة التالتي يِتسمّى ع إسم واحد من هالشهدا الأبرار . وليش ما منبلّش بفرع بعبدات ، يصير فرع الياس كاسبو ؟ وصلاتنا أنّو ما نحتفل بالذكرى المئويّة الأولى لاستشهادن سنة الـ 2015 ، إلاّ وما يكون ليونار ملكي وتوما صالح صارو طوباويّي . وع قبال الكلّ .


ملاحظة: تمّ تحديث الكلمة في 1/12/2019

شارك:
Facebook
تويتر
إطبع
Go To Top
انتقل إلى أعلى الصفحة
الفصل السابق

بلاطة ليونار التذكاريّة في...

بلاطة ليونار التذكاريّة في ساحة البلوطة

Previous Chapter
الفصل التالي

أُقصوصتان

أُقصوصتان

Next Chapter
Go To Top
متابعة القراءة
...ومرّة أخرى، يـَـتـلـطَّـخ الثوب الفرنسيسي بدم الشهداء...
LeonardMelki
© فارس ملكي 2013