حياته
Cross

في ماردين

 

ماردين اليوم
ماردين اليوم


1- مدينة ماردين


دعونا نتعرّف على مدينة ماردين حيث سيبدأ الأب ليونار عمله الرسولي، وينتهي فيها شهيدًا.

تقع ماردين في بلاد ما بين النهرين، وتتبع ولاية ديار بكر، وهي مركز سنجق ماردين، ومكان إقامة المتصرّف، ويعني اسمها “المتمرّدة”. كانت تعدّ، في تلك الأيّام، 4500 منزلٍ يسكنها حوالي 35000 نسمةٍ بما فيها 800 عائلةٍ أرمنيّةٍ كاثوليكيّةٍ، 1300 عائلةٍ سريانيّةٍ، 150 عائلةٍ كلدانيّةٍ، والباقي من المسلمين.1

يقدّم الأب ياسنت سيمون الدومينيكي أرقامًا متقاربة، فيقول إنّ عدد السكان يبلغ 42700 نسمة، 25000 من المسلمين و 17700 من المسيحيين الموزَّعين على خمس مجموعات على الشكل التالي: 7000 من اليعاقبة2، 6000 من الأرمن الكاثوليك، 3000 من السريان الكاثوليك، 1200 من الكلدان، 500 من البروتستانت3.

هناك مزيد من التفاصيل عن المدينة، وعن تاريخها ومعالمها، نجده في مذكرات إبراهيم كَسبو، أحد أبناء المدينة من الأرمن الكاثوليك، نقتطف منه ما يلي:

ماردين مدينة قديمة القدم، تقع في شمال الجزيرة، وهي على رأس جبل عال، بيوتها كالدرج، الواحد فوق الآخر، وعلى قمّة الجبل قلعة طبيعيّة حصينة، صَعُبَ على تيمورلنك فتحها بأيّامه. هواها نقيّ، صيفها معتدل، شتاؤها بارد. وإذا أَلقيتَ نظرة إلى جنوب المدينة فإنّك تشاهد تلّ كوكب بكلّ وضوح، وترى أمامك بحرًا من الخضار لا نهاية له في فصل الربيع. وإن أَلقيتَ نظرة إلى شمالها، ترَ أوقيانُس من البساتين العامرة، بما فيها من الثمار اللذيذة الشهيّة والتي تزيد عن حاجات السكّان بالنسبة إلى كثرتها، وهي رخيصة. وفيها الخوخ والكمثري والكرز والرمّان والمحلب والبطن ذو اللذّة، عدا عن الكروم الكثيرة والخضار. ويُزرع في بعض مناطقها التبغ، وهو مشهور بجودته.

حُكمت ماردين من قِبَل الفرس والروم والأكراد والأرمن والعرب، إلى أن أصبحَت جزءًا من الأمبراطوريّة العثمانيّة. وأهلها يعدّون بحوالي خمسين ألف نسمة قبل الحرب العالميّة الأولى، نصفهم تقريبًا من المسيحيين، يتكلّمون العربيّة، وبعض كلماتها الفصحى، لكنّها بالأصحّ هي لغة خليط من العربيّة والكرديّة والسريانيّة والأرمنيّة والتركيّة.

دير مار افرام للسريان الكاثوليك في ماردين(اسحق أرمله، مار افرام، بيروت، 1952)
دير مار افرام للسريان الكاثوليك في ماردين
(اسحق أرمله، مار افرام، بيروت، 1952)

كانت مقرًّا لبطاركة السريان الأرثوذكس والكاثوليك، وفيها عدّة كنائس قديمة وحديثة، منها كنيسة القدّيس جرجس للأرمن الكاثوليك، وكنيسة القدّيسة شمونه في شرق البلد، المعروف بمحلّة الشمسيّة، وفيها دير مار ميخائيل، ودير الزعفران، الأوّل في جنوب المدينة والثاني في شرقها، وهما قديما العهد، والأخير كان مقرّ الكرسي البطريركي للسريان.

فيها دير مار افرام، وبضواحيها عدّة كنائس، مثل كنيسة مار يوحنا، وكنيسة القدّيسة بربارة. وفيها أيضًا كنيسة الكبّوشيّة، ومعبد للبروتستانت، وكنيسة قديمة جدًّا للكلدان. ومن أشهر جوامعها، الجامع الكبير، المشهور بمأذنته العالية، وجامع اللطيف، وجامع الشهيد، الذي كان كنيسة للسريان، وبُني فيه مئذنة. بأيّام الحروب كانت هذه المئذنة وسيلة لخلاص بنّائيها وحجّاريها وعمّالها من المذابح، حيث اعترفوا بتغيير مذهبهم.

أهلها يشتغلون بالتجارة والصناعة. وكان لأكثر العائلات الغنيّة واحد من أفرادها في حلب ليصدّروا له السمن والصوف والجلود واللوز والعفص وغير ذلك، ويرسل لهم ما يحتاجون من بضاعة.4

2- المرسَلون الكبّوشيّون الفرنسيّون الأوائل

منذ العام 1685، قام بطريرك الكلدان في ديار بكر، يوسف الأوّل، الذي تتلمذ على يد الآباء الكبّوشيين، بتعيين المطران أغاميون على كرسي ماردين الشاغر، وكان هو أيضًا تلميذًا عند الكبّوشيين، فقام باستقدامهم من فرنسا، وبدأوا رسالتهم بغيرة ونشاط وسط هذا الشعب، وتمكنوا من اجتذاب العديد من اليعاقبة إلى الكنيسة الكاثوليكيّة، ما جعل اليعاقبة الآخرين يشنّون اضطهادًا عنيفًا على اليعاقبة المهتدين، وعلى مطرانهم الجديد أتناسيوس سفر، خليفة أغاميون، الذي اضطرّ إلى الهروب إلى روما، ومات فيها.

وكان الكبّوشيّون على اتصال مستمرّ مع مطران ماردين الأوّل على الأرمن الكاثوليك، المطران ملكون، وخليفته مارديروس توماجيان، وشقيقه دِر ماكار. واستمرّت رسالتهم في أوساط اليعاقبة والأرمن حتّى منتصف القرن الثامن عشر، حين شهد الكبّوشيّون نقصًا في المرسلين، فتولّى الآباء الكرمليّون أعمال الرسالة مكانهم، العام 1769، وبقوا فيها حتّى العام 1820 مع وفاة الأب اغناطيوس، آخر الرهبان الكرمليين في المدينة. وبقيت ماردين من دون رهبانًا أوروبيين حوالي العشرين سنة.5

3- الكبّوشيّون الإسبانيّون والايطاليّون

في 20 تشرين الثاني 1841، قدم الكبّوشيّون الاسبانيّون والايطاليّون إلى ماردين، وهم: الأب نقولا كاستيل من برشلونه، الذي صار أسقفًا ونائبًا رسوليًّا على بلاد ما بين النهرين، والأب ريمون من أولوت [شمال شرقي إسبانيا]، والأخ بطرس من بريميا [شمالي إيطاليا]. في تلك الأيّام، كانت ماردين تعدّ 19000 نسمة، بينهم 6000 كاثوليكي و 6000 “منشقّ” [اليعاقبة] و 7000 مسلم. ولا ننسى أنّ مقرّ البطريرك اليعقوبي كان في دير الزعفران القريب، منذ العام 1293، وأنّه يوجد 103 قرى في جوار ماردين يسكنها اليعاقبة لوحدهم، مع بعض المسلمين والأكراد.

استقرّ الوافدون الجدد في منزل المطران أنطون سمحيري الذي سيصبح لاحقًا بطريركًا على السريان الكاثوليك. وكان المنزل متواضعًا من حيث المساحة، يُستعمل كمقرّ أسقفي ومدرسة في آن واحد. تمّ استقبالهم بالترحاب. وفيما أخذ الأب نقولا الوعظ والإرشاد على عاتقه، عمل الأخ بيار في الطبّ، وكان يقوم بتركيب العلاجات من الأعشاب البرّيّة. لكن سرعان ما تمّ استبدالهم بالمرسَلين الإيطاليين، وفصل الإرساليّة عن إقليم حلب، وإعلانها إقليمًا مستقلاً، ومقرّ رئيسها في ماردين.

نذكر من بين المرسَلين الذين تركوا بصمات مجيدة في الإرساليّة:

- الأب جوزف من بورغُس [شمال إسبانيا] الذي توفّي برائحة القداسة، العام 1845، نتيجة إصابته بضربة شمس. بُنيت الخطط لتقديم دعوى تطويبه لكنّها أُهملت، ويا للأسف.
- الأب نقولا من برشلونة الذي عمل بجهد كبير، وكان محبوبًا من الجميع لدرجة أنّه، حين عُيّن نائبًا رسوليًّا، طلب الكبّوشيّون بأن يستمرّ في رئاسة الإرساليّة. 
- الأب زكريا من كاتينيانو [وسط إيطاليا]، الذي أنهى بناء كاتدرائيّة القدّيس لويس في بيروت، في العام 1868. 6

المطران زكريا دوكاتينيانو (ألبوم مئويّة كاتدرائية القدّيس لويس 1868-1968)
المطران زكريا دوكاتينيانو (ألبوم مئويّة كاتدرائية القدّيس لويس 1868-1968)

4- بناء الكنيسة والأبنية التابعة لها

في ماردين، حيث يرقد المطران نقولا والمطران زكريا، كان مركز الإرساليّة صغيرًا، وموقع الكنيسة في الطابق السفلي غير مريح. لذلك، قام الكبّوشيّون بشراء منزل ملاصق للدير بمبلغ 75 قرشًا، بهدف توسيع الدير والكنيسة. وكان يجب عليهم الحصول على فرمان من السلطان للسماح لهم القيام بتلك الأعمال، فطلبوا مساعدة سفير فرنسا، الكونت دوڤوغ، الذي حصل عليه في العام 1871، وبدأت الأعمال فورًا، لكنّها استمرّت لمدّة طويلة، ولم تنته إلاّ العام 1885.

إنّ كنيسة الكبّوشيين في ماردين هي الأكبر في المدينة، وأكثرها ارتيادًا. يبلغ طولها 42 مترًا، وصحنها على شكل الصليب اللاتيني، والقبّة على الطراز الروماني. قام فيها الأب جان باتيست دوكاستروجيوڤاني، رفيق الأب ليونار، بأعمال الهندسة. وكان متصرّف ماردين قد أوكل إليه تخطيط الطريق الرئيسي في المدينة والإشراف على التنفيذ، فأتت من أفضل الطرق في الأناضول وبلاد ما بين النهرين. كما قام الأب جان باتيست ببناء مدرسة للصبيان، وأخرى للبنات، بجوار الدير، وكنيسة لراهبات لونس لوسونييه الفرنسيسكانيّات.

5- مجازر العام 1895

نَعِمت بلاد ما بين النهرين بالسلام، في معظم الأوقات، غير أنّه حصل أمر مفاجئ مع نهاية القرن التاسع عشر: قام السلطان عبد الحميد وأعطى الأوامر للعسكر والأكراد المتواجدين في ولاية ديار بكر بقتل المسيحيين، بخاصّة الأرمن منهم، لذلك أُطلق عليه لقب السلطان الأحمر أو السلطان السفّاح. وسنتوقّف عند المجازر التي حصلت ضدّ المسيحيين في ديار بكر وأورفا ومعمورة العزيز في سياق الكلام لاحقًا عن رسالة الأب ليونار في تلك المدن.


ما كان يخشاه الماردينيّون من فظائع بحقّهم، ومعهم الإرساليّة الكبّوشيّة، نجّاهم منها أحمد آغا، رئيس إحدى القبائل، على الرغم من أوامر والي ديار بكر الصارمة الذي كان وراء تلك الجرائم، فاستحقّ أحمد آغا ميداليّة ذهبيّة من الحكومة الفرنسيّة، بفضل قنصل فرنسا الذي عمل أيضًا على تجنيبه عقاب الوالي. لكنّ الأب دانيال دومانوبيللو، رئيس دير الكبّوشيين في ماردين، أراد تكريمه بأكثر من ذلك، فاغتنم فرصة زيارة أحد الباشوات الكبار إلى ماردين، وزيارة زوجته الكاثوليكيّة إلى الدير، ليطلب منها ميداليّة أخرى لأحمد آغا، تصدر عن الحكومة العثمانيّة، فلُبّي طلبه.7

خلّص الأب دانيال ماردين، فتَعلّق به المسيحيّون أكثر وأكثر، وبفضله، استمرّت الحياة الطبيعيّة في ماردين فيما كانت المدن الأخرى تشهد خرابًا وفيها يسقط القتلى، وظلّت على هذه الحال مع بداية القرن العشرين.

6- الوضع في ماردين عند مجيء الأب ليونار والأب توما في العام 1906

كتب رئيس الإرساليّة، الأب رافائيل ديزيتابل، وصفًا لماردين وأوضاعها في العام 1901، نورده فيما يلي، لأنّ تلك الأوضاع لم تتغيّر كثيرًا في العام 1906، مع مجيء الكبّوشيين البعبداتيين:

" تغطّي إرساليّة بلاد ما بين النهرين منطقتين جغرافيتين: بلاد ما بين النهرين بحدّ ذاتها، وتشمل مراكز ماردين وديار بكر وأورفا، وبلاد أرمينيا الصغرى التي تشمل مراكز ملاطية ومعمورة العزيز وخربوط. تُعَدّ ماردين من المدن التركيّة النادرة حيث عدد المسيحيين يفوق عدد المسلمين، وعدد الكاثوليك يفوق عدد المنشقين. في المدينة 8000 أرمني كاثوليكي، 2500 سرياني، 250 كلداني، ثلاثين لاتينيًّا، 5000 من اليعاقبة والبروتستانت.
الأب دانيال دومانوبيللو، رئيس الدير، هو شيخ وقور لا يزال مفعمًا بالحيويّة، محترَم ومحبوب من الجميع، يداوم لوحده في الدير، وهو الأكبر سنًّا بين الرهبان في الإرساليّة. كنيستنا الكبيرة تشهد إقبالاً كبيرًا، ونُقيم فيها قدّاسًا يوميًّا. هناك وفرة كهنة في ماردين، وأساقفة أيضًا. لدينا مدرستان في ماردين. الأب دانيال هو مدير مدرسة الصبيان التي يؤمّها 180 تلميذًا، ويُدرّس فيها أربعة أساتذة مواد العلوم واللغات العربيّة والتركيّة والفرنسيّة. تُدير راهبات لونس لوسونييه الفرنسيسكانيّات مدرسة البنات التي يؤمّها 400 تلميذة، ويعلّم فيها ستّ راهبات وستّ معلّمات مساعدات، يعلّمن اللغة العربيّة والحساب والخطّ، ويتمّ فيها التركيز على التعليم المسيحي. يترك البنات المدرسة في عمر 11 أو 12 سنة، على وجه العموم.
تنشط رهبنة مار فرنسيس الثالثة للعلمانيين، بين الرجال والنساء على حدّ سواء، وقد شاهدتُ بأمّ العين حماسة الثالثيين الشباب الذين يبلغ عددهم الثلاثين. يجتمعون في الكابيلا الخاصّة بهم، كلّ يوم أحد، بعد القدّاس، حيث يصلّون فرض العذراء مريم باللغة العربيّة. الاعترافات عديدة، وكاهن معرّف واحد لا يكفي. لغة المدينة هي العربيّة. الجوّ معتدل. ماردين بحاجة إلى راهب إضافي."8

7- الحاجة إلى راهب مشرقي في ماردين

قبل مغادرتهما معهد بودجه، رغب الأبوان ليونار وتوما البعبداتيين بتعيينهما في إرساليّة بلاد ما بين النهرين حيث كان الأب بونافنتورا البعبداتي سبقهما، وعَبَّرا عن رغبتهما هذه أمام الأب جان انطوان دوميلان، كبير المرسَلين الكبّوشيين، وأسقف إزمير لاحقًا، الذي بعث برسالة إلى الأب العام في روما، ينقل فيها رغبة الأبوين، ويصف العمل الجاري في معهد بودجه، فيقول:

لم أرَ هذا الدير منذ عشرين عامًا. لقد وجدتُه متجددًا بشكل كبير، ويسود فيه النظام والتوافق والتقيّد بالقوانين في هذه العائلة الجميلة التي تشمل 50 راهبًا من بلدان ولغات مختلفة، تُثمر فيهم الدروس التي يُديرها الأب لورنتسو الجليل الذي هو معلّم كفوء ومدير ممتاز في آن واحد. كلّ شيء هنا يوحي بالثقة، ويجدّد الهمم، ويشكّل قدوة صالحة: من الجوقة إلى حديقة الدير إلى الموقع، ونحن على أرض تركيّة مضيافة بنسبة أكبر من الدول التي تُشيد بنفسها ويُسيطر عليها اليوم التعصّب وخداع الحضارة الحاليّة.9

هناك اثنان من الآباء الشباب اللذين أنهيا دراستهما، وهما الأب توما والأب ليونار البعبداتيين، سألاني إن كانا سيُعيَّنان في إرساليّة بلاد ما بين النهرين. الجواب عند أبوّتكم الجليلة بشكل قاطع. وسأكون سعيدًا إذا جاء بالإيجاب.10

كان متوقّعًا أن يوافق الأب العامّ على هذا الطلب، بعد أن كان رئيس الإرساليّة، الأب رافائيل ديزيتابل، طالب بتعيين مرسَل إضافي في ماردين يتكلّم العربيّة، إذ جاء في رسالته إلى الأب العامّ:

في رسالتي الأخيرة، بلّغتُ أبوّتكم الموقرة عن حزننا بسبب موت الأب بازيل من بورموريس، في أورفا. وأبلّغكم اليوم، بكلّ أسف، عن إصابة الأب دانيال المحترم، رئيس دير ماردين، والمرسَل الوحيد فيها، بسكتة دماغيّة. وأخبرتني رئيسة الراهبات أنّ وضع كميّة كبيرة من العَلَق على جسمه، وفي الوقت المناسب، وفرّت للمريض ارتياحًا كبيرًا، ولكنّ الخطر ما زال حاضرًا… فلو مات هذا المرسَل الجليل، لا أعرف مَن أُعيّن مكانه. في ماردين، يتحدثون العربيّة فقط، ولا يوجد بيننا إلاّ مرسَل واحد يعرفها، هو الأب جان باتيست، رئيس دير أورفا. وفي هذه الحالة، مَن أُعيّن مكانه في أورفا ؟11

أجاب الأب العامّ:
سوف نرسل لكم مرسَلًا من المعهد الشرقي.12

8- الأب ليونار والأب توما إلى ماردين

وجب الانتظار سنة كاملة لتلبية رغبة الإخوة في إرساليّة بلاد ما بين النهرين. يعبّر الأب جان أنطوان عن فرحتهم بالقول:

إنّ الأب بونافنتورا سعيد جدًّا في أعقاب الرسالة التي وردت وجاء فيها إنّ اثنين من الآباء الشباب، رفاقه في معهد بودجه، سيتمّ تعيينهما في إرساليتنا. أرجو أن تتقبلوا شكري المتواضع على هذا الانعام الجديد لنا.13

يتابع الأب جان أنطوان مجريات هذا التعيين، منتظرًا بفارغ الصبر الامدادات الموعودة، فيقول:

عندما يصل إلى إرساليتنا الأبوان اللبنانيان اللذان عيّنتهم أبوّتكم الموقّرة، سوف نسدّ بهما حاجة ماردين حيث الأب دانيال دومانوبيللو يعمل وحده منذ عدّة سنوات. وبرأيي، لا أحد غيره كان بإمكانه تحمّل تلك الوحدة لفترة طويلة. تفضّل أبتي المحترم، وبارك المرسَلين الجدد والقدامى.14

9- بدء الرسالة في ماردين

ما أن وصلا إلى ماردين، حتّى بدأ الأبوان بالعمل بكلّ همّة ونشاط. وبحسب التقليد القاضي بأن يبعث كلّ مرسَل تقريرًا إلى الأب العامّ في روما، في رأس السنة، يخبره فيه عن أوضاعه ورسالته، قام الأبوان بهذا الواجب.

جاء في تقرير الأب ليونار المكتوب بالإيطاليّة ما يلي:

حضرة الأب العامّ الجزيل الاحترام
بعد الحصول على موافقة أبوّتكم الموقرة للذهاب إلى بلاد ما بين النهرين، توجّهتُ فورًا من بودجَه إلى لبنان، حيث قضيتُ بعض الوقت بين الأهل والأصدقاء الأعزاء، بناءً على أوامر الأب لينو [هو الأب لينو دو ستيرزينغ (مدينة في شماليّ شرقيّ إيطاليا)، عميد معهد الدروس في بودجه]. ومن هناك، التحقتُ مباشرةً برسالتي.
عند وصولي إلى مقرّ إرساليّتنا الرئيسيّة في أورفا، أَمَرني الأب المدبّر بالمكوث هناك، ريثما يتمّ تحديد وجهتي. بعد حوالي شهر، أُمِرتُ بالتوجّه إلى ماردين. خَضَعتُ للأمر، وشكرتُ الربّ.
وصلتُ إلى ماردين في أوائل شهر أيلول، بعد رحلةٍ طويلةٍ ومتعبة. وتمكّنتُ من مباشرة خدمتي المقدّسة فورًا، بفضل معرفتي اللغة العربيّة. أَوكَلَ إليّ الأب المدبّر الجليل القيام بالأعمال التالية: إرشاد الرهبنة الثالثة المزدهرة جدًّا والتي كَـثُـر عديد أعضائها؛ إرشاد جمعيّة «جوقة الشرف للقلب الأقدس» [جوقة الشرف هي أخويّة تكريم قلب يسوع، يكرّس أعضاؤها ساعة، كلّ يوم، مداورةً فيما بينهم، لتلاوة الصلوات لقلب يسوع الأقدس] ؛ إدارة مدرستنا الكبيرة، وتدريس اللغة الفرنسيّة والموسيقى؛ ومن واجباتي تقديم حديثين، شهريًّا، إلى الجمعيتين المذكورتين. كما أنّي أقوم بالوعظ في الكنيسة، من وقتٍ إلى آخَر. هنالك أيضًا الاعترافات الكثيرة، بسبب وفرة الكاثوليك الشرقيّين الذين يفضّلون كنيستنا على كنيستهم. إنّي كثير الانشغال، ومع ذلك، فأنا مسرورٌ جدًّا وأنعم بصحّةٍ جيّدة.
هذا هو، باختصار، وضعي الحاليّ، أبتِ الجزيل الاحترام. معي، أيضًا، الأب دانيال، رئيس الدير، ورفيقي، الأب توما.
أخيرًا، أبتِ الجزيل الاحترام، تَفضّلوا بقبول تهانيّ الحارّة والصادقة، بالسنة الجديدة. أتقدّم منكم سائلاً، باتضاع، بركتكم المقدّسة.15

تلقّى الأب العامّ التقرير وأبدى ارتياحه على ما قام به المرسَل الشاب، وعبّر له عن رضاه، وشجعه على الاستمرار في النهج ذاته.16

وجاء في تقرير الأب توما المكتوب باللاتينيّة ما يلي:

أبتِ الجزيل الاحترام
بحسب ما جاء في «نظام الرسالة» [هو النظام الخاصّ بالمرسلين]، ها إنّي أكتب إليكم رسالتي الأولى.
لقد انطلقتُ من بودجه، في ضواحي إزمير، خلال شهر أيار، برفقة الأب ليونار البعبداتي، بعد أن كنّا قد استحصلنا على «ورقة الطاعة» [هي وثيقة تعيين الرهبان، باسم الطاعة، لرسالة ما]، وقرار المجمع المقدّس لنشر الإيمان.
لَمّا وصلنا إلى إرساليّة ما بين النهرين، التي أرادت العناية الإلهيّة إرسالنا إليها، وذلك لسعادتنا، اندفعنا للحال، وبكلّ قوانا، للعمل في الرسالة، بخاصّة أنّ اللغة العربيّة لم تكن مجهولة منّا.
يوجد في ماردين، منذ عدّة سنوات، مرسلون من البدعة البروتستانتيّة ومتفرّعاتها. إنّنا نقوم بواجبنا لمحاربتهم، ونبذل جهدًا كبيرًا لمقاومتهم، معتمدين على أفضل الأساليب، وذلك بأن نكشف ضلالهم وكذبهم أمام المؤمنين، فيضمنون إيمانهم وخلاصهم الأبدي. وبالرغم من أنّ البروتستانت لا يستطيعون النجاح في مناقشاتهم الخاسرة مع هؤلاء المؤمنين، فإنّ لديهم ما يكفي من الوقاحة لمضايقتهم، ونصب الأفخاخ لهم، بخاصّة البسطاء منهم، فيجذبونهم إليهم بواسطة الإغراءات الماديّة، والمصاريف الكبيرة على مدارسهم حيث لديهم فتيات مجتهدات، وطلاب يسمعون إليهم. أمّا نحن، فإنّنا نحاول توعية الناس غير المدركين، ليدركوا ممارسات هؤلاء البروتستانت، فيتجنبوهم، حتّى ولو قدّموا لهم هدايا كثيرة.17

إنّ هذا الموقف الذي اتخذه الأب توما من البروتستانت جاء نتيجة ما عرفه من أعمال جماعة الكويكرز في برمانا بحقّ أهله في بعبدات. وعلاوة على ذلك، كان الشرق يشهد بكامله، بخاصّة في لبنان وأرمينيا وبلاد ما بين النهرين، تنافسًا مريرًا بين البروتستانت والإرساليّات الرهبانيّة الكاثوليكيّة. وكان الكبّوشيّون في وسط هذا الصراع، ويجتهدون للمحافظة على رعيّتهم والإيمان الكاثوليكي فيها، والإخلاص للكنيسة الرومانيّة وللحبر الأعظم. وكان الأب لودوڤيك دار قد كتب ما يلي:

على الرغم من منافسة البروتستانت الشرسة المستمرّة حتّى اليوم، لم يتمكنوا بعد من الحدّ من عدد التلامذة في مدارسنا. هنا، كما في الأماكن الأخرى، ننعم بتقدير الأهل وثقتهم بنا، ما يفتقر إليه هؤلاء السادة. على الرغم من الذهب والفضة التي يوزعونها بوفرة، لم يحصلوا إلاّ على نتائج ضئيلة، فهم يضعون آمالهم في الموارد الماليّة، ونحن نضعها في الله، وهذا ما يؤمّن لنا القوّة.18

إنّ قوّة الكبّوشيين يعزّزها نشاط الراهبات الفرنسيسكانيّات لونس لوسونييه كما يشهد له الأب لودوڤيك دار إذ يقول:

إنّ عدد الفتيات في مدارسنا يتجاوز الأربعمئة، وتعمل راهبات لونس لوسونييه الفرنسيسكانيّات على إدارة تلك المدارس، وجعل الفتيات يصبحن مسيحيّات صالحات. يستعجلن على تلقين الفتيات مبادئ التاريخ والجغرافيا والحساب قبل مغادرتهنّ المدرسة للارتباط بالزواج وهنّ بعمر الإثني عشر سنة، بحسب ما تقتضيه عادة شعوب تلك البلاد المؤسفة والتي لا يمكننا الاعتراض عليها. ومع ذلك، عند مغادرتهنّ المدرسة، وانطلاقهنّ في العالم الخارجي، لا ينسين تلك الراهبات الطيّبات اللواتي تعرّفن عليهنّ وأحببنهنّ. وفي أيّام الحزن والضيق، يأتين إليهنّ للحصول على بعض التعزية والاستسلام إلى مشيئة الله، وهذا ما تولّده المحبّة الإنجيلية وحدها في القلوب.19

10- وصف مركز ماردين

يصف الأب آتال دوسانتيتيان مركز ماردين حيث عاش وعمل فيقول:

بالقرب من مكان إقامة الآباء ومدارسهم، يوجد المأوى والمدرسة والمشغل التابعون للراهبات الفرنسيسكانيّات اللواتي أتين لمعاونة الآباء. وفي الواقع، يضمّ مبنى الراهبات عددًا كبيرًا من الأشخاص في مساحة صغيرة.

في المأوى أولاً، قُسِّم الفتيان والفتيات إلى مجموعتين، واحدة للفتيات وأخرى للفتيان، تضمّ كلّ مجموعة مائة شخص. ثم قُسّمت مدرسة الفتيات إلى خمسة صفوف، في كلّ صفّ أربعون أو خمسون فتاة، والصفوف الابتدائيّة من ثمانين إلى مائة.

دير الآباء الكبّوشيين في ماردين(أرشيف الرهبنة الكبّوشيّة في المطيلب – لبنان)
دير الآباء الكبّوشيين في ماردين
(أرشيف الرهبنة الكبّوشيّة في المطيلب – لبنان)

وكانت هناك قاعتان كبيرتان مخصصتين للمشغل الذي يلتحق به ما يقارب من أربعمائة فتاة شابّة أو امرأة شابّة للحصول على قطعة من القماش يعملون فيها أنواعًا من التخريم. البعض منهنّ يُكملن العمل في المنزل، والباقيات يمكثن إلى جانب الراهبة المعلّمة، وتحت إشرافها، يتعلّمن هذا الفنّ الدقيق، أو يُحسّنن معرفتهنّ به.

كان هذا المشغل نعمة للمدينة، لأنّ القطع المخرّمة تُباع بشكلٍ جيّد في أوروبا، وتشكّل موردًا قيّمًا للعاملات، بالإضافة إلى وجودهنّ في بيئة حاضنة تساعدهنّ على النمو في تربيتهم المسيحيّة. كنّ يقضين ساعات طويلة كلّ يوم يسمعن القراءات الصالحة، ويصلّين ويرنمن أثناء العمل. لم يكن للسأم مكان في هذه الأعمال المتنوعة، فكانت أوقات الفرصة لا تخلو من النشاطات المختلفة، بعد أن تكون أوقات العمل قد استُنفدت بشكل مكثّف.

أكان في مدرسة الراهبات أو في المشغل، يجد المرسَل مكانًا واسعًا لرسالته. وكانت الراهبات تُعدّ له أرضيّة جيّدة في نفوس العاملات والتلاميذ، وعند زيارة الكاهن للتلاميذ في الصفوف، أو العاملات في الكنيسة، مرّة في الأسبوع، يجد الأرواح والعقول مفتوحة لتلقّي كلمة الله بتوق شديد.

كانت خدمة النفوس في المدرسة مرحلة تمهيديّة لأنّ مركز الخدمة الحقيقيّة والكاملة وغايتها كان في الكنيسة. وكانت كنيسة الإرسالية على شكل صليب، وفوق تقاطع الصليب قبّة كبيرة. يحضر الفتيان والفتيات كلّ يوم القدّاس، وقسم كبير منهم يتناول جسد الربّ. وينضمّ إليهم بعض النساء والشباب والرجال وهم في طريقهم إلى عملهم اليومي. أمّا الأحد، فكان المؤمنون يملأون الكنيسة، ولا ينفكون في الدخول والخروج، ومعظمهم يشاركون في أكثر من قدّاس واحد ويتناولون جسد الربّ. ويبلغ متوسط عدد القرابين التي يتناولها المؤمنون في السنة ثلاثين ألفًا.

إنّ إرساليّة ماردين هي حقًّا مركزًا للحياة المسيحيّة والتقوى الحقيقيّة، بالاستناد إلى الطريقة التي يصلّي فيها المؤمنون، ويرتّل فيها الأولاد، وفيها تشابه مع ورع المسيحيين الأوّلين المهتدين حديثًا.20

11- برنامج دراسي موحّد في جميع مدارس الإرساليّة

كانت الحياة في الإرساليّة منظّمة بشكل رائع، وذلك بفضل رئيس الإرساليّة، الأب رافائيل ديزيتابل، الساهر الدائم على حسن سير الأمور، والمتمتّع برؤية واضحة وعقل تنظيمي، فاستطاع وضع برامج موحّدة، وطرق تعليم واحدة، في المراكز الثلاثة التابعة له في أورفا وماردين وديار بكر. يعبّر الأب بونافنتورا البعبداتي عن هذا الواقع، وهو الذي كان معاونًا للأب رافائيل في أورفا، فيقول:

إنّ النقطة الأولى التي نلتزم بها بشكل صارم هي الانسجام الضروري بين المسؤولين. هنا، لا يمكننا أن نتمنّى رفقة أفضل. ومع أنّي ما زلتُ شابًّا، غير أنّي أشعر بالحاجة إلى التوجيه والتشجيع والإرشاد. كلّ شيء يجري بفطنة لبقة، ومحبّة أخويّة بامتياز. باستطاعتي القول إنّ المحبّة الأخويّة تسود فيما بيننا… الرئيس هنا هو حقًّا قدوة لي…
بالنسبة إلى الأمور الأخرى، بما أنّ كلّ شيء يسير بانتظام، يقوم كلّ واحد منّا بواجبه اليوميّ المحدّد، أكان في الكنيسة أو في المدارس أو في مآوي الأطفال أو في المشاغل…
وبالنسبة لي، فإنّي أقوم بالوعظ باللغة العربيّة، من وقت إلى آخر، وبالتعليم المسيحي باللغة نفسها، لكنّ عملي الأساسي يكمن في إدارة مدرسة الصبيان التي تضمّ 80 تلميذًا، ومراقبة سير التعليم فيها. إنّ الأولاد ليسوا أشرارًا بل طائشين، ويسمحون لأنفسهم بالهروب من المدرسة بين الحين والآخر، وهم لا يحتملون السكوت أو الصمت حتّى أثناء ساعات الدوام المدرسي…
في المدرسة صفوفًا عديدة إذ نقوم بتعليم الدين المسيحي والتاريخ والجغرافيا والخطّ والرسم واللغات الأربع: العربيّة والأرمنيّة والتركيّة والفرنسيّة. قبل البدء بالدروس، يتوجّه التلاميذ المسيحيين إلى الكنيسة للمشاركة في القدّاس اليومي، ثمّ يصلّون مع بعضهم البعض. وعند المساء، مع نهاية الدروس، يتوجه كلّ التلاميذ إلى الكنيسة لتلاوة الورديّة المقدّسة، بالتناوب مع تلامذة الراهبات الفرنسيسكانيّات المعاونات لنا.
وجملة القول، إنّي سعيد جدًّا من الخير الذي يتمّ هنا لخلاص النفوس، وتربية الشبيبة، ومساعدة الفقراء، وزيادة التقوى، وتدفق المؤمنين إلى كنيستنا للمشاركة في الاحتفالات الحلوة التي تحييها جوقة الشباب بتراتيلها الرائعة. لو لم أُعيَّن في هذه الإرساليّة المنظَّمة والواعدة، لكنتُ طلبتُ وأصرَّيتُ أن أكون فيها…21

12- رضى رئيس الإرساليّة

الوضع نفسه يسود في ماردين، كما يعبّر عنه رئيس الإرساليّة فيقول:

مَرَّ العام 1906 وكان عامًا مباركًا على الإرساليّات التي انضمّ إليها خمسة مرسَلين جدد من الشباب الغيورين والمتحمسين سدّوا النقص الذي كنّا نُعاني منه. يرتبط الآباء والإخوة برباط المحبّة الخالصة، وكلّهم يعملون بغيرة رسوليّة وتفاني. أعمالنا تزدهر، ومدارسنا تشهد إقبالاً كبيرًا، ومستوى التعليم فيها أعلى من المستوى الذي توفّره المدارس الأخرى المماثلة، لكنّها تسبّب لنا نفقات كبيرة. ومع ذلك، إنّ وجود هذه المدارس لا بدّ منه، ولولاها لَما كنّا قمنا بأيّ خير هنا.
استلم الأب ليونار البعبداتي إدارة مدرسة ماردين، وهي على ازدهار مستمرّ. أُرفق بيان العلامات الربع سنوي الذي نُرسله إلى الأهل، أكان هنا أو في ماردين. إنّ جميع مدارس الصبيان في الإرساليّة هي منظمة بطريقة تسمح للتلامذة الذين يريدون الالتحاق بمعهد معمورة العزيز أن يتمّ قبولهم في الصفّ الثالث، فالبرامج هي نفسها من الصفّ الرابع حتّى الثامن.22

13- ثمار السنة الأولى

يبذل الأب ليونار قصارى جهده في المدرسة التي يديرها، وهو يعمل بتفان وفرح، وها هو يرسل تقريره السنويّ إلى الأب العامّ في روما، يخبره فيه عن نشاطه التربوي والرعوي فيقول:

حضرة الأب العامّ الجزيل الاحترام
مرَّت سنة، تقريبًا، على وجودي في الإرساليّة. كان من الطبيعيّ أن أواجه بعض الصعوبات التي يواجهها أيّ مرسَل آخَر، لكنّني استطعتُ التغلُّب عليها، بنعمة الله.
أمّا نشاطاتي فهي ذاتها، أي الاهتمام بالمدرسة، والثالثيّين، وجوقة الشرف، وإلقاء مواعظ الأحد في الكنيسة، طوال شهر أيّار.
بين 29 و31 تموز، وفي الأوّل من آب، جرت الامتحانات في مدرستنا. وفي 4 آب تلينا العلامات على الأولاد، وقمنا بتوزيع دفتر العلامات للأشهر الثلاثة المنصرمة. بعد ذلك، جرى احتفال بسيط، حيث قام اثنا عشر تلميذًا بإلقاء الخطابات التي يشيدون فيها بالنور والتلغراف وسكّة الحديد والطبّ والجراحة والتقدّم… جرت الامتحانات في العلن، في باحة كنيستنا التي كانت في أبهى زينة، تعلوها صورة جميلة للبابا بيوس العاشر، المالك سعيدًا، مع الشعارات البابويّة.
قمنا بدعوة أسقفَي الأرمن والكلدان، بالإضافة إلى أسقفَي السريان، وبعض الكهنة والوجهاء وأهالي التلامذة. وقد جاء عدد كبير من المسيحيّين والمسلمين من تلقاء ذاتهم.
لقد تمَّت الامتحانات بنجاح، والحمد لله، وشكّلت ضربة قاضية للبروتستانت واليعاقبة، الذين كانوا يتوهّمون بأنّه لا يوجد في ماردين مدرسة أخرى تضاهي مدارسهم. هم يخشون إجراء الامتحانات لتلامذتهم في العلن، وكانوا يكتفون باختيار أربعة أو خمسة منهم، يلقّنونهم بعض الخطابات المنقولة عن الكتب، ليحفظوها غيبًا، ويتلوها أمام الناس، مرفقة ببعض الأناشيد. هكذا كانت تجري الامتحانات في مدارسهم الانجيليّة العالية.
لقد أصابهم الخجل والخيبة، كما سبق وذكرت، إذ لم يخطر في بالهم يومًا أنّنا سنجرؤ على إقامة الامتحانات في العلن. على أثر ذلك، عمد بعض الكاثوليك إلى نقل أولادهم من مدارس البروتستانت واليعاقبة إلى مدرستنا. وكذلك فعل بعض اليعاقبة.
بعد عيد انتقال السيّدة سنقدّم تمثيليّة.
وفي فترة الفصح، كلّفتُ أحدهم بخياطة لباسٍ موحَّد لأولادنا، يرتدونه في الآحاد والأعياد فقط. وهذا، أيضًا، شكَّل صدمة للبروتستانت واليعاقبة.
في الحقيقة، إنّه لأمر رائع وفريد، في هذه الناحية من بلاد ما بين النهرين، أن ترى عددًا كبيرًا من الأولاد يرتدون لباسًا موحَّدًا جميلاً، ويحضرون جميع الاحتفالات الدينيّة في كنيستنا، ويتقدمون معًا إلى المائدة الملائكيّة، في كلّ الأعياد.
أبت الجزيل الاحترام، تَفضَّل وبارك هذا الجمع الكبير من الشبيبة، ليكونوا دائمًا أقوياء في وجه أعدائنا اللدودين.

حاشية: في هذه الأيّام، ظهر مذنّب. لم تكن رؤيته ممكنة إلاّ بدءًا من الساعة الثالثة بعد منتصف الليل. واستمرَّ ظهوره بوضوح حتّى الصباح، لا سيّما ذنبه الطويل الذي بدا كأنّه مجموعة أشعّة طويلة ومضيئة.23

14- الأب ليونار مسؤولٌ عن أربعمئة ثالثي

ازدهرت رهبنة مار فرنسيس الثالثة في ماردين كما يؤكّده الأب سيليستان دوديزيو، رئيس الإرساليّة الموقّت، في تقريره إلى الأب العامّ في روما، وينوّه بفضل الأب ليونار، فيقول:

يمكننا أن نؤكّد لكم بأنّنا لم يضيع وقتنا. إنّ كلمة الله تنتشر من دون توقّف، وذلك بفضل التعاون الممتاز الذي أبداه الأب بازيل من ديار بكر، والأب ليونار البعبداتي. في غضون خمسة عشر عامًا، لم تشهد كنيستنا هذا العدد الكبير من الناس أثناء الأعياد الكبيرة، بخاصّة تلك التي احتفلنا بها في شهر أيار وحزيران وتشرين الأوّل، بأبهة عظيمة. تَقدّم المؤمنون بكثرة إلى الاعترافات، وغالبًا ما كنتُ أطلب المساعدة من كهنة آخرين.
وكانت أفضل الاحتفالات التي وفّرت لنا التعزية الحقيقيّة تلك التي جرت بمناسبة المناولة الأولى التي أُعطيت إلى 110 أطفال، من الصبيان والفتيات، وأُلقيت 3 خطابات في هذه المناسبة.
وفي عيد القربان الأقدس، شارك في الزياح ما يقرب من ستة آلاف شخص. ثمّ أقمنا ثلاثيّة بمناسبة الذكرى المئويّة السابعة لتأسيس رهبنة مار فرنسيس الثالثة، كانت لنا نصرًا حقيقيًّا. لن تنسى ماردين تلك الأيّام في 19 و 20 و 21 تشرين الثاني. أستطيع القول بأنّ هذه الثلاثيّة جاءت مكتملة، لا شائبة فيها. لم أر أبدًا مثل هذا العدد الكبير من الناس، ولا هذا العدد من المتقدمين إلى المناولة. بناءً على دعوتي، احتفل كاهن مختلف بالقداس الإلهي، كلّ واحد بحسب طقس كنيسته، وكان يساعدنا في الاعترافات.
يوم الأحد، أقمتُ القداس الاحتفالي بمشاركة المطران حنا معمرباشي، النائب البطريركي على السريان، ورؤساء الكنائس الأرمنيّة والكلدانيّة، وجميع الرهبان في دير مار افرام، وكهنة عديدون، ألقى فيه رئيس هذا الدير العظيم خطابًا عن رسالة القدّيس فرنسيس كان لنا شرفًا كبيرًا، وخيرًا عظيمًا لسكّان ماردين، هذه المدينة الملقبة منذ القدم بالمدينة الفرنسيسيّة.
وعند المساء، وبالحضور نفسه، قمنا بترتيل صلاة الغروب للمرّة الأولى، ثمّ مباركة المشاركين بواسطة القربان المقدّس. وعند الساعة الواحدة بعد نصف الليل جرت الألعاب الناريّة.
في هذه السنة، قام الأب ليونار الذي كنتُ قد سلّمته إدارة الرهبنة الثالثة بتلبيس الثوب الفرنسيسي إلى 40 عضوًا جديدًا بحيث أصبح فرع الرهبنة الثالثة في ماردين يضمّ حوالي 400 أخٍ وأختٍ. سلّمتُ الأب بازيل إدارة أخويّة القلب الأقدس. والإثنان يقومان بإعطاء المحاضرات إلى الإخوة.
وفي هذا العام استقبلنا أكثر من ألف تلميذ، من الصبيان والفتيات، توزعوا على الشكل التالي: 180 في مدرسة الصبيان، 500 في مدرسة البنات، 200 في المأوى، 130 في المشغل. أعطى الأب ليونار التعليم المسيحي في مدرسة الصبيان، وأعطيته أنا في مدرسة البنات.
كما ترون، حضرة الأب الموقّر، إنّ العمل كثير، والخير يتمّ بكثرة.24

وبعد ثلاث سنوات، يتكلّم الأب أتال دوسانتيتيان عن رهبنة مار فرنسيس الثالثة. يبدو أنّ عددهم انخفض إلى 250 عضوًا بعد أن كان 400! هل هو بسبب رحيل الأب ليونار إلى لبنان؟ أو بسبب الأوضاع المتردية الناتجة عن أخبار الحرب القادمة؟ أيًّا كان السبب، فالكبّوشيّون يثابرون:

ماذا عسانا نقول عن التقوى عند الإخوة والأخوات في رهبنة مار فرنسيس الثالثة؟ يضمّ فرع الرهبنة حوالي خمسين رجلاً وأكثر من مئتي امرأة، يجتمعون كلّ يوم أحد، بعد الظهر، في الكابيلاّ الخاصّة بهم، ينتقلون إليها بعد قيامهم بزياح القربان الأقدس، ليرفعوا إلى العذراء مريم، صلاة الغروب وصلاة النوم، باللغة العربيّة، منشدين المزامير والترانيم التي تترك أثرًا مؤثرًا في النفوس، يشاركهم فيها، من كلّ قلبهم، الأولاد والشباب، الذين يتهيأون للدخول في الرهبنة الثالثة، فيضمّوا أصواتهم اليافعة إلى أصوات الرجال الرخيمة. كثيرون منهم يعرفون صلوات الفرض عن ظهر قلب، فيشاركون بأعداد كبيرة، مع أنّ اجتماعات الآحاد لم تكن إلزاميّة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الاجتماعات الشهريّة، إذ كان الغياب بين الإخوة والأخوات نادرًا.
يشعر المرسَل بفرح كبير، عندما يخاطب هذه النخبة من النفوس التقيّة والقلوب الطيّبة. كثيرون منهم يخبئون نفسًا سامية ونبيلة تحت مظاهر البساطة والتواضع، ويميّزون جيّدًا في مستويات الإيمان بين أمور الأرض الدنيا وأمور العالم الآخر!
إنّ الإرشاد الملائكي الذي يعطيه المرسَل، بغيرته الرسوليّة، إلى الثالثيين المجتمعين في الكنيسة الصغيرة الخاصّة بهم، ذات الطابع الكبّوشيّ، الواقعة إلى جانب الكنيسة الكبيرة، يملأ قلبهم حرارة، ويجدّد همّتهم. فهو يجد، في توقهم الشديد إلى سماع كلمة الله، مكافأة له عمّا عاناه من صعوبات في تعلّم لغتهم.
هناك بعض الأعياد التي تضفي رونقًا خاصًّا على حياة الرهبنة الثالثة، منها عيد الحُبل بها بلا دنس. ففي هذا اليوم، يقوم الثالثيّون، بلباسهم الفرنسيسكاني، بإنشاد الفرض الخاصّ بتكريم السيّدة العذراء، بكامله، وهم ساجدين أمام القربان المقدّس. في الصباح، ينشدون صلاة السَحَر، وصلاة الصبح، وصلاة الساعة الأولى، وصلاة الساعة الثالثة. وفي المساء، ينشدون صلاة الساعة السادسة، وصلاة الساعة التاسعة، وصلاة الغروب، وصلاة النوم. بالإضافة إلى ذلك، يتناوبون السجود، ساعة تلو الأخرى، أمام ملكهم المحبوب.
ويتَكرّر الأمر نفسه في احتفالات الأربعين ساعة. أمّا سهرة خميس الأسرار فقد تحوّلت إلى سهرة صلاة وتكفير. وقد عبّر كثيرون من الثالثيين عن رغبتهم الكبيرة في المشاركة بهذه السهرة الروحية. يمرّ الوقت بسرعة كبيرة، من دون تعب يُذكر، ويطوي أفراد الرهبنة الثالثة الساعات في التأملات والقراءات والتراتيل والسجود أمام القربان الأقدس، الموضوع على مذبح خاصّ، يتخللها فترات من الراحة والأحاديث الدينيّة في غرفة مجاورة. حتّى أنّ إحدى الاستراحات اتسمت ببصمة من الفرادة حيث إنّ بعض الثالثيين تداعوا للاجتماع، وأخذوا يتبارون فيما بينهم على الشكل التالي: أُعطي كلّ واحد منهم رقمًا، ليبدأ الأوّل بتلاوة آية من الإنجيل، على أن يتبعه الثاني ويتلو آية تبدأ بالحرف الذي تنتهي به الآية السابقة، وهكذا دواليك. والشخص الذي يحين دوره ولا يجد أي آية يقولها يخسر نقطة، في حين أنّ من يقول آية مناسبة يربح نقطة. برع كثيرون في هذه المباراة، حتى أنّ واحدًا منهم كان ضليعًا بالمزامير والأناجيل إلى درجة أنّه كان يجد الآية المناسبة بسرعة لكلّ حرف مطلوب.
إلى جانب هذه الاحتفالات الدينية، كانت الرهبنة الثالثة فاعلة أيضًا وبالزخم نفسه، على المستوى الاجتماعي، وكانت النسوة، بشكل خاصّ، وهن اللواتي لم يكنّ يحتجن للظهور كثيرًا في الكنيسة وفي احتفالات العبادة، حاضرات دومًا لزيارة الفقراء والمرضى، والمساعدة في بعض الأعمال، وتقديم الإحسانات للمحتاجين، بجميع فئاتهم.
إنّ حياة الإرساليّة الكبّوشيّة، المملوءة نشاطًا، في الكنيسة وبين الثالثيين، لم تكن إلاّ الثمرة المباركة للجهود الكبيرة التي قام بها المرسلون، جيلاً بعد جيل.25

15- الأب ليونار يعلّم التلاميذ

في نهاية العام 1909، يبعث الأب ليونار تقريره السنويّ إلى الأب العامّ في روما ويقول:

حضرة الأب العامّ الجزيل الاحترام
يشرّفني أن أُهدي إليكم، عبر هذه الرسالة، وبكلّ ٱحترام، أمنياتي الصادقة للسنة الجديدة ١٩١٠. أتمنّى لكم سنةً سعيدة، تجلب جميع بركات السماء. ليهَبِ الربّ لكم نعمه بسخاء، وليساعدكم في جميع ٱحتياجاتكم، خصوصًا في إدارة الرهبنة بأسرها.
من واجبنا جميعًا، أيّها الأب المحترم، أن نجزل لكم الشكر لاهتمامكم الأبويّ الحقّ الذي تبدونه في سبيل الرهبنة كلّها، ولكلّ واحدٍ منّا، بشكلٍ خاصّ. لكم منّا الشكر الجزيل، لأنّكم الأب المحبّ، والأب اليقظ والساهر دومًا على نعاجه. لا شكّ، أنّ رهبنتنا، بقيادة رئيسٍ ماهرٍ وفطن، وبمعاونة الأب الساروفيّ [القدّيس فرنسيس الأسيزي، مؤسّس الرهبنة]، ستزدهر، حتمًا، وتعطي ثمارًا وافرةً وطيّبة.
أنا، حاليًّا، كما في السابق، أقوم بالخدمة المقدّسة [الخدمة الكهنوتيّة أو خدمة الوعظ] وتربية الأولاد الذين يأتون إلى مدرستنا بأعدادٍ كبيرة. يبلغ عدد تلامذتنا حوالي الألف من الذكور والإناث. غالبًا ما أقوم بالوعظ للشعب، وأؤمّن الأحاديث الشهريّة للرهبنة الثالثة التي يزيد عدد أفرادها على ٤٠٠، وأقضي ساعاتٍ طويلة في كرسيّ الاعتراف، أيّام الآحاد والأعياد. خدمتنا موجَّهة، في غالبيّتها، إلى الكاثوليك الشرقيّين، من أرمن وسريان وكلدان، الذين يؤمّون كنيستنا بأعدادٍ كبيرة، وبطيبة خاطر.
إنّ تأخُّر الأب المدبّر [الأب رافائيل ديزيتابل الذي سافر إلى أوروبا، منذ عدّة أشهر، لجمع التبرّعات للإرساليّة، وما زال هناك] يسبّب لنا حزنًا كبيرًا. أرجو منكم، أبتِ المحترم، أن تعيدوه إلينا بسرعة، وأنا متأكدٌ من أنّ هذا ما يتمنّاه جميع الإخوة المرسَلين.
أخيرًا، أقبّل يمينكم، وأنا، أمام أبوّتكم الموقّرة، الإبن الفرنسيسيّ الأكثر ضعةً.26

16- الأب ليونار يطلب تذكارات تقويّة من الأب الإقليمي في ليون

وكان الأب ليونار قد بعث برسالة بالفرنسيّة إلى رئيسه الإقليمي في ليون يخبره فيها بكلّ فخر عن نشاطه مع الرهبنة الثالثة، ويطلب منه إرسال بعض المواد التقويّة لتوزيعها عليهم.27

17- تقرير الأب رافائيل ديزيتابل

في بداية العام التالي، 1910، كتب الأب رافائيل ما يلي:

زاد عدد التلاميذ عندنا، بخاصّة في ماردين حيث افتتحت الراهبات الفرنسيسكانيّات مشغلاً للفتيات الكاثوليكيّات، بلغ عددهنّ ما بين الـ 120 والـ 130، لتجنيبهنّ الذهاب إلى البروتستانت الأمريكانيين الذين ينافسوننا بقوّة. يتعلّم الفتيات الخياطة والتطريز والتعليم المسيحي، ويقمن بقراءات تقويّة.28

18- حصيلة السنوات الثلاث الأولى

إنّ رسالة التعليم التي سبق ووصفها القدّيس جان باتيست دولاسال بـ “العمل اليومي الرهيب” هي ما قام به الأب ليونار في السنوات الثلاث من بداية رسالته في ماردين، وربّما كانت أكثر قساوة من الذي عبّر عنه مؤسّس إخوة المدارس المسيحيّة، لكنّه عاشها بالصبر والأمانة والمحبّة.

يقول الطوباوي انطوان شوفرييه (1826-1879) مؤسّس البرادو، بأنّ “الكاهن هو إنسان تأكله الهموم”. هذا هو الأب ليونار، لا بل أكثر من ذلك، كان مرسَلاً مُضنًى بالهموم، أُضيف عليها نكسة صحيّة قويّة كادت تقضي عليه لو لم يُسارع الرؤساء إلى سحبه من ماردين وإرساله إلى معمورة العزيز للراحة، في العام 1910. وكان رفيقه الأب توما قد نُقل إلى خربوط، العام 1908، ثمّ إلى ديار بكر، العام 1910، فيما لازم الأب بونافنتورا مركز أورفا.

 
1 Lamberto Vannutelli, Anatolia Meridionale e Mesopotamia ، روما، 1911، ص. 331. 2 تسمية تاريخيّة قديمة للسريان الأرثوذكس غير مرغوب فيها في أيّامنا الحاضرة. 3 ماردين المدينة البطلة، ياسنت سيمون، دار نعمان للثقافة، جونيه/لبنان، 1991، ص. 39. 4 إبراهيم كسبو، ماردين كما أعرفها، دراسات شرقيّة مسيحيّة، مجموعة 29/30، مؤلفات المركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقيّة المسيحيّة، القاهرة/القدس 1998، ص. 17-18. 5 P. Clemente da Terzorio, Le Missioni dei Minori Cappuccini, 1913, Vol. VI, Ch. X & XI 6 المرجع نفسه.  ملاحظة الناشر: توفي المطران زكريا من كاتينيانو في ماردين، العام 1873، حيث عُيّن فيها نائبًا رسوليًّا فوق العادة على بلاد ما بين النهرين، وكان عمره 62 سنة، بعد أن قضى فترة 32 سنة في الرسالة، و 16 سنة كاهن رعيّة القدّيس لويس في بيروت، ومطرانًا منذ سنتين. (ألبوم مئوية كاتدرائية القدّيس لويس 1868-1968) 7 مجلّة Les Missions Catholiques ، العدد 1444، 5 شباط 1897، ص. 63. 8 تقرير الأب رافائيل ديزيتابل إلى الأب العامّ في روما، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما.9 يُشير الأب جان انطوان إلى المرسوم المشؤوم الصادر في فرنسا العام 1905 والقاضي بفصل الكنيسة عن الدولة، ويستكمل مرسومًا سابقًا قضى بطرد الرهبان. 10 رسالة الأب جان انطوان دوميلان إلى الأب العامّ في روما، بودجه، 3 أيار 1906، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 11 رسالة الأب رافائيل ديزيتابل إلى الأب العامّ في روما، معمورة العزيز، 28 نيسان 1905، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 12 رسالة الأب العامّ، روما، 19 أيار 1905، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما 13 رسالة الأب جان انطوان دوميلان إلى الأب العامّ في روما، أورفا، 15 حزيران 1906، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 14 رسالة الأب جان انطوان دوميلان إلى الأب العامّ في روما، أورفا، 17 حزيران 1906، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 15 رسالة الأب ليونار إلى الأب العامّ، ماردين، 11 كانون الأوّل 1906، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 16 رسالة الأب العامّ، 4 كانون الثاني 1907، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 17 رسالة الأب توما إلى الأب العامّ، ماردين، 12 كانون الأوّل 1906، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 18 مجلّة أناليكتا، 1896، ص. 86. 19 مجلّة أناليكتا، 1896، ص. 265. 20 ذكريات الأب أتال دوسانتيتيان، 25 آب 1928، أرشيف الكبّوشيين في المطَيلب/لبنان. 21 رسالة الأب بونافنتورا البعبداتي إلى الأب العامّ في روما، أورفا، 27 كانون الثاني 1907، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 22 رسالة الأب رافائيل ديزيتابل إلى الأب العامّ في روما، معمورة العزيز، 10 كانون الثاني 1907، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 23 رسالة الأب ليونار إلى الأب العامّ، ماردين، 7 آب 1907، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 24 رسالة الأب سيليستان دوديزيو إلى الأب العامّ، ماردين، 16 كانون الأوّل 1909، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 25 ذكريات الأب أتال دوسانتيتيان، 25 آب 1928، أرشيف الكبّوشيين في المطَيلب/لبنان. 26 رسالة الأب ليونار إلى الأب العامّ، ماردين، 29 كانون الأوّل 1909، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما. 27 رسالة الأب ليونار إلى رئيسه الإقليمي في ليون/فرنسا، ماردين، 14 كانون الأوّل 1909، أرشيف الكبّوشيين في ليون. 28 رسالة الأب رافائيل ديزيتابل إلى الأب العامّ في روما، معمورة العزيز، 3 كانون الثاني 1910، أرشيف الكبّوشيين العامّ في روما.
شارك:
Facebook
تويتر
إطبع
Go To Top
انتقل إلى أعلى الصفحة
الفصل السابق

بدء العمل الرسولي

بدء العمل الرسولي

Previous Chapter
الفصل التالي

في معمورة العزيز

في معمورة العزيز

Next Chapter
Go To Top
متابعة القراءة
...ومرّة أخرى، يـَـتـلـطَّـخ الثوب الفرنسيسي بدم الشهداء...
LeonardMelki
© فارس ملكي 2013